|

هندسة الجهل   

الكاتب : الحدث 2022-02-20 02:24:54

بقلم - محمد بن مرضي 

المعرفة سلاح وقد يكون خطير جداً ، ولا تقل أهميتها عن سلاح المال والقوة العسكرية ، كما أنها سلاح ذو حدين إما أن تكون معرفة قاتلة أو معرفة تسمو بك وتصنع منك شخص استثنائي لايشبهك أحد ، ومن هنا لابد أن تعرف بأنك محور هذا الكون العظيم (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
فعقل الإنسان وحواسه ومداركه هي قلاعه ودولته ، إن استبيحت فستكون محطة عبور لكل شاردة وواردة من الأفكار الهدّامة ، وإن حصّنت فستكون الوطن الآمن لكل فكرة خلاّقة ، ولذك يرى المتمعّن في هذا الكون بأن معركة الوعي والتجهيل بدأت منذ بداية الصراع البشري ، وقد استنبط الفيلسوف الصيني تصن زو نظريته للمعرفة من خلال استقراءاته للصراعات البشرية السابقة والحالية ومن جميل ما ذكره في ذلك قوله : إن كنت تعرف نفسك وتعرف عدوك فأنت فائز ، وإن كنت تعرف نفسك ولاتعرف عدوك فحظك متساوٍ معه في النصر والهزيمة ، وإن كنت لاتعرف نفسك ولاتعرف عدوك فأنت خاسر لا محالة .
ولذلك نجد في كثير من تاريخ الصراعات البشرية وبالتحديد خلال القرن الماضي إتخاذ أساليب جديدة من أساليب العمليات النفسية تسمى بـ (إدارة المعلومات والفهم) وتعرّف بأنها نشر معلومات أو حذف معلومات بهدف التأثير على الرأي العام لتحقيق مصالح الجهة التي تدير المعلومات ، ويأتي هذا التعريف ليوضح لنا بأننا مسؤولين مسؤولية كاملة تجاه حواسّنا ، فعينك ثغرة لما تراه ولما سيستقر في عقلك لاحقاً كفكرة مستساغة ، وأذنك ثغرة لما تسمعه أو لما سيتشكل من أحداث قد تحكم  بها مسبقاً على فكرة لم تعرف عن حقيقتها بعد ، ولسانك هو منفذ الثغرات الكبرى ، وعقلك هو المحضن والوعاء لكل ما سبق.
ثم يؤكد ديننا القويم قبل هذا كله ، إذ أنه لم يجرّم الغفلة عبثاً وأنك ستقف مسؤولاً عن كل ثغراتك (إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسؤولا)، كما يمتد التأثير على هذه الثغرات من خلال الدعاية والإشاعة وغسيل الأدمغة والتضليل الإعلامي ، علماً بأن هذا التأثير أو ما يسمى علمياً بـ(إدارة المعلومات والفهم) يتطلب جهات مختصة ومتخصصين بعلم النفس والسلوك  والإدراك ، ويمكن إرجاع السبق في ذلك للعالم الأمريكي أستاذ تاريخ العلوم بجامعة ستانفورد روبرت بروكتر الذي أوجد ما يُعرف بـ (علم الجهل) وهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية محترفة ويستند في ذلك على ثلاث عناصر (بث الخوف ، وإثارة الشكوك ، وصناعة الحيرة) .
وهذه الأساليب التي نراها تغزو العالم الآن في إدارة الفهم وهندسة الجهل قد تمارس بطرق عجيبة إما للتخويف من أمور معينة أو للتسويق لأفكار هدّامة أو تأصيل سلوك معين أو ثقافة معينة أو لتمرير أفكار وممارسات غير أخلاقية ومنافية للفطرة البشرية ، وتكون في كثير من الأحيان تحت غطاء الحريات أو الحقوق الإنسانية لكسب التعاطف وتشكيل رأي عام ثم تمرير الأفكار وتنفيذها .
همسة لكل القرّاء والمثقفين ومرتادي وسائل التواصل الاجتماعي :
في بناء المعرفة هناك طريقين طريق معبّد جاهز (القوالب الفكرية) ، وهناك من يعبّد الطريق (صنّاع الفكر والتأثير) ، والقرار قرارك في صناعة وعيك وثقافتك وفكرك.